فصل: باب النوافل

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نصب الراية لأحاديث الهداية **


-  من أحاديث الخصوم

- ما رواه عبد الرزاق في ‏"‏مصنفه ‏[‏ومن طريق عبد الرزاق من طريق أبي نعيم أحمد في ‏"‏مسنده‏"‏ ص 162 - ج 3، والدارقطني‏:‏ ص 178، والطحاوي‏:‏ ص 143‏.‏‏]‏ أخبرنا أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أنس بن مالك، قال‏:‏ ما زال رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ يقنت في الفجر حتى فارق الدنيا، انتهى‏.‏ ومن طريق عبد الرزاق، رواه الدارقطني في ‏"‏سننه‏"‏‏.‏ وإسحاق بن راهويه في ‏"‏مسنده‏"‏، ولفظه عن الربيع بن أنس، قال‏:‏ قال رجل لأنس بن مالك‏:‏ أقنت رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ شهرًا يدعو على حي من أحياء العرب‏؟‏ قال‏:‏ فزجره أنس، وقال‏:‏ ما زال رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ يقنت في صلاة الصبح حتى فارق الدنيا، قال إسحاق‏:‏ وقوله ثم تركه ‏[‏قوله‏:‏ ثم تركه، هذا اللفظ في حديث أنس، عند مسلم‏:‏ ص 237، وأحمد‏:‏ ص 249 - ج 2، والطحاوي‏:‏ ص 144، وغيرها‏]‏ ‏"‏يعني ترك تسمية القوم في الدعاء‏"‏، انتهى‏.‏ ورواه الحاكم أبو عبد اللّه في ‏"‏كتاب الأربعين‏"‏ له ‏.‏وفي ‏"‏الخلاصة‏"‏ للنووي، صححه الحاكم في ‏"‏كتاب المستدرك‏"‏، فليراجع، وقال‏:‏ حديث صحيح، ورواته كلهم ثقات، وعن الحاكم رواه البيهقي في ‏"‏المعرفة ‏[‏قلت‏:‏ وفي ‏"‏السنن‏"‏ ص 201 - ج 2‏.‏‏]‏‏"‏ بسنده ومتنه، وسكت عنه، قال‏:‏ وله شواهد عن أنس ذكرناها في ‏"‏السنن‏"‏، وقال صاحب ‏"‏التنقيح - على التحقيق‏"‏‏:‏ هذا الحديث أجود أحاديثهم، وذكر جماعة وثقوا أبا جعفر الرازي، وله طرق في ‏"‏كتاب القنوت‏"‏ - لأبي موسى المديني، قال‏:‏ وإن صح، فهو محمول على أنه ما زال يقنت في النوازل، أو على أنه ما زال يطول في الصلاة، فإن القنوت لفظ مشترك بين الطاعة، والقيام، والخشوع، والسكوت، وغير ذلك، قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏إن إبراهيم كان أمة قانتًا للّه‏}‏ [النحل: 120]، وقال‏:‏ ‏{‏أمَّنْ هو قانت آناء الليل‏}‏ [الزمر: 9]، وقال‏:‏ ‏{‏ومن يقنت منكن للّه‏}‏ [الأحزاب: 31]، وقال‏:‏ ‏{‏يا مريم اقنتي لربك‏}‏ [آل عمران:43]، وقال‏:‏ ‏{‏وقوموا للّه قانتين‏}‏ [البقرة: 238]، وقال‏:‏ ‏{‏كل له قانتون‏}‏ [البقرة: 116]، وفي الحديث‏:‏ ‏"‏أفضل الصلاة طول القنوت ‏[‏أخرجه مسلم في ‏"‏باب صلاة الليل‏"‏ ص 258 من حديث جابر، والطحاوي‏:‏ ص 176‏.‏‏]‏‏"‏، انتهى كلامه‏.‏ وضعفه ابن الجوزي في ‏"‏كتاب التحقيق‏"‏، وفي ‏"‏العلل المتناهية‏"‏، فقال‏:‏ هذا حديث لا يصح، فإن أبا جعفر الرازي، واسمه ‏"‏عيسى بن ماهان‏"‏، قال ابن المديني‏:‏ كان يخلط، وقال يحيى‏:‏ كان يخطئ، وقال أحمد بن حنبل‏:‏ ليس بالقوي في الحديث، وقال أبو زرعة‏:‏ كان يَهِم كثيرًا، وقال ابن حبان‏:‏ كان ينفرد بالمناكير عن المشاهير، انتهى‏.‏ ورواه الطحاوي في ‏"‏شرح الآثار ‏[‏ص 143‏.‏‏]‏، وسكت عنه، إلا أنه قال‏:‏ وهو معارض بما روى عن أنس، أنه عليه السلام إنما قنت شهرًا يدعو على أحياء من العرب، ثم تركه، انتهى‏.‏

قلت‏:‏ ويعارض أيضًا بما رواه الطبراني في ‏"‏معجمه ‏[‏وقال النيموي‏:‏ إسناده حسن‏.‏‏]‏‏"‏ حدثنا عبد اللّه بن محمد بن عبد العزيز حدثنا شيبان بن فروخ حدثنا غالب بن فرقد الطحان، قال‏:‏ كنت عند أنس بن مالك شهري، فلم يقنت في صلاة الغداة، انتهى‏.‏ وروى محمد بن الحسن في ‏"‏كتاب الآثار‏"‏ أخبرنا محمد أبو حنيفة عن حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم النخعي، قال‏:‏ لم يُر النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ قانتًا في الفجر حتى فارق الدنيا، انتهى‏.‏ قال الحازمي في ‏"‏كتابه الناسخ والمنسوخ ‏[‏ص 67، قلت‏:‏ لقد نبهناك فيما تقدم أن النبي صلى اللّه عليه وسلم لم يقنت للنازلة إلا مرة، حين قتل أصحابه ببئر معونة، قنت على من قتلهم شهرًا، أو دونه، أو أكثر منه، وفي ذلك القنوت دعى لوليد بن الوليد‏.‏ وعياش بن أبي ربيعة‏.‏ وسلمة بن هشام، وقد أنزل اللّه فيه ‏{‏ليس لك من الأمر‏}‏ [آل عمران: 128] الآية، كما في مسلم‏:‏ ص 237، والطحاوي‏:‏ ص 142، ثم لم يقنت، فتطرق الاجتهاد، بأن تركه عليه السلام كان نسخًا، لمنع اللّه تعالى بقوله‏:‏ ‏{‏ليس لك من الأمر شيء‏}‏ [آل عمران: 128] أو لم يقنت لعدم وقوع نازلة تستدعي القنوت بعدها، فتكون شرعيته مستمرة، والظاهر من كلام الطحاوي الأول، حيث قال في ‏"‏شرح الآثار‏"‏ ص 149‏:‏ فثبت بما ذكرنا أنه لا ينبغي القنوت في الفجر، في حال الحرب ولا غيره قياسًا، ونظرًا على ما ذكرنا من ذلك، وهذا قول أبي حنيفة‏.‏ وأبي يوسف‏.‏ ومحمد رحمهم اللّه تعالى، اهـ‏.‏ وقال الحلبي في ‏"‏شرحه الكبير للمنية‏"‏ ص 420‏:‏ فتكون شرعيته مستمرة، وهو محل قنوت من قنت من الصحابة بعد النبي صلى اللّه عليه وسلم، وهو مذهبنا، وعليه الجمهور، وقال الحافظ أبو جعفر الطحاوي‏:‏ إنما لا يقنت عندنا في صلاة الفجر من غير بلية، فإذا وقعت فتنة أو بلية، فلا بأس به، فعله رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، اهـ‏.‏ وقال ابن قيم في ‏"‏الهدى‏"‏ ص 69‏:‏ ولم يكن من هديه القنوت فيها دائمًا، ومن المحال أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان في كل غداة بعد اعتداله من الركوع، يقول‏:‏ ‏"‏اللّهم اهدني فيمن هديت‏"‏ يرفع بذلك صوته، ويؤمِّن عليه أصحابه دائمًا إلى أن فارق الدنيا، ثم لا يكون ذلك معلومًا عند الأمة، بل يضيعه أكثر أمته‏.‏ وجمهور أصحابه، بل كلهم، حتى يقول من يقول منهم‏:‏ إنه محدَث، إلى أن قال‏:‏ ومن المعلوم بالضرورة أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لو كان يقنت كل غداة يدعو بهذا الدعاء، ويؤمِّن الصحابة، كان نقل الأمة لذلك كلهم، كنقلهم لجهره بالقراءة‏.‏ وعددها‏.‏ ووقتها، وإن جاز عليهم تضييع أمر القنوت منها، جاز عليهم تضييع ذلك، ولا فرق، اهـ‏.‏ وقال الحافظ في ‏"‏الدراية‏"‏ ص 117‏:‏ ويؤخذ من الأخبار أنه صلى اللّه عليه وسلم كان لا يقنت إلا في النوازل، وقد جاء ذلك صريحًا، فعند ابن حبان عن أبي هريرة كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لا يقنت إلا في النوازل، وقد جاء ذلك صريحًا، فعند ابن حبان عن أبي هريرة كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لا يقنت في صلاة الصبح، إلا أن يدعو لقوم أو على قوم، وعند ابن خزيمة عن أنس مثله، وإسناد كل منهما صحيح، وحديث أبي هريرة في ‏"‏الصحيحن‏"‏ بلفظ‏:‏ أن النبي صلى اللّه عليه وسلم إذا أراد أن يدعو على أحد، أو لأحد قنت بعد الركوع، حتى أنزل اللّه ‏ {‏ليس لك من الأمر شيء‏} [آل عمران: 128]‏، وأخرج ابن أبي شيبة حديث عليّ، أنه لما قنت في الصبح، أنكر الناس عليه ذلك، فقال‏:‏ إنما استنصرنا على عدونا، اهـ‏.‏‏]‏‏"‏‏:‏ اختلف الناس في قنوت الفجر، فذهب إليه أكثر الصحابة‏.‏ والتابعين، فمن بعدهم من علماء الأمصار، إلى يومنا، فروى ذلك عن الخلفاء الأربعة‏.‏ وغيرهم من الصحابة، مثل‏:‏ عمار بن ياسر‏.‏ وأبيّ بن كعب‏.‏ وأبي موسى الأشعري‏.‏ وعبد الرحمن بن أبي بكر الصديق‏.‏ وعبد اللّه بن عباس‏.‏ وأبي هريرة‏.‏ والبراء بن عازب‏.‏ وأنس بن مالك‏.‏ وسهيل بن سعد الساعدي‏.‏ ومعاوية بن أبي سفيان‏.‏ وعائشة، ومن المخضرمين‏:‏ أبو رجاء العطاردي‏.‏ وسويد بن غفلة‏.‏ وأبو عثمان النهدي‏.‏ وأبو رافع الصانع، ومن التابعين‏:‏ سعيد بن المسِّيب‏.‏ والحسن‏.‏ ومحمد بن سيرين‏.‏ وأبان بن عثمان‏.‏ وقتادة‏.‏ وطاوس‏.‏ وعبيد بن عمير‏.‏ والربيع بن خيثم‏.‏ وأيوب السختياني‏.‏ وعبيدة السلماني‏.‏ وعروة بن الزبير‏.‏ وزياد بن عثمان‏.‏ وعبد الرحمن بن أبي ليلى‏.‏ وعمر بن عبد العزيز‏.‏ وحميد الطويل، وذكر جماعة من الفقهاء، ثم قال‏:‏ وخالفهم طائفة من الفقهاء، وأهل العلم، فمنعوه، وزعموا أنه منسوخ، محتجين بأحاديث‏:‏

منها‏:‏ حديث أبي حمزة القصاب عن إبراهيم عن علقمة عن عبد اللّه، قال‏:‏ لم يقنت رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ إلا شهرًا، لم يقنت قبله ولا بعده، وقال‏:‏ تابعه أبان بن أبي عياش عن إبراهيم، فقال في حديثه‏:‏ لم يقنت في الفجر قط، ورواه محمد بن جابر اليمامي عن حماد عن إبراهيم، وقال في حديثه‏:‏ ما قنت رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ في شيء من الصلوات إلا في الوتر، كان إذا حارب يقنت في الصلوات كلها، يدعو على المشركين‏.‏

ومنها حديث أم سلمة‏:‏ رواه محمد بن يعلى زنبور عن عنبسة بن عبد الرحمن عن عبد اللّه بن نافع عن أبيه عن أم سلمة، قالت‏:‏ نهى رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ عن القنوت في صلاة الصبح‏.‏

ومنها حديث ابن عمر أنه ذكر القنوت، فقال‏:‏ إنه لبدعة، ما قنت غير شهر واحد، ثم تركه، رواه بشر بن حرب عنه، قال‏:‏ وأجاب القائلون به عن حديث ابن مسعود، بأنه معلول بأبي حمزة، كان يحيى بن سعيد القطان لايحدث عنه، وقال أحمد‏:‏ متروك الحديث، وقال ابن معين‏:‏ ليس بشيء، وقال البخاري‏:‏ ليس بالقوي، وقال السعدي‏.‏ وإسحاق بن راهويه‏:‏ ليس بشيء، وقال النسائي‏:‏ ليس بثقة، وأبان بن أبي عياش، فقد قيل فيه أكثر مما قيل في أبي حمزة‏.‏ ومحمد بن جابر، فقد ضعفه يحيى بن معين‏.‏ وعمرو بن علي الفلاس‏.‏ وأبو حاتم‏.‏ وغيرهم‏.‏ وقد روى من عدة طرق، كلها واهية لا يجوز الاحتجاج بها، ومثل هذا لا يمكن أن يكون رافعًا لحكم ثابت بطرق صحاح‏.‏

وأما حديث أم سلمة‏:‏ فمعلول أيضًا، قال ابن أبي حاتم‏:‏ قال أبي‏.‏ ويحيى بن معين‏:‏ كان عنبسة بن عبد الرحمن يضع الحديث، وعبد اللّه بن نافع ضعيف جدًا، ضعفه ابن المديني‏.‏ ويحيى‏.‏ وأبو حاتم‏.‏ والساجي‏.‏ وغيرهم، وقال الدارقطني‏:‏ عبد اللّه بن نافع عن أبيه عن أم سلمة أن النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ نهى عن القنوت، مرسل، لأن نافعًا لم يلق أم سلمة، ولا يصح سماعه منها، ومحمد بن يعلى زنبور، وعبد اللّه بن نافع‏.‏ وعنبسة، كلهم ضعفاء‏.‏

‏(‏يتبع‏.‏‏.‏‏.‏‏)‏

‏(‏تابع‏.‏‏.‏‏.‏ 1‏)‏‏:‏ - الحديث السادس بعد المائة‏:‏ روى ابن مسعود‏.‏‏.‏‏.‏ ‏.‏‏.‏‏.‏

وأما حديث ابن عمر‏:‏ فمعلول أيضًا، لأن بشر بن حرب، ويقال له‏:‏ أبو عمرو الندلي مطعون فيه، قال البخاري‏:‏ رأيت ابن المديني يضعفه‏.‏ وكان يحيى القطان لا يروي عنه، وقال أحمد‏:‏ ليس بقوي، وقال إسحاق‏:‏ متروك، ليس بشيء، وقال السعدي‏:‏ لا يحمل حديثه، وقال النسائي‏.‏ وابن أبي حاتم‏:‏ ضعيف، قالوا‏:‏ وعلى تقدير صحة هذا الحديث، فيكون المراد بالبدعة ههنا، القنوت قبل الركوع، لأنه روى عنه في ‏"‏الصحيح‏"‏ من طرق إلى النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ، أنه قنت بعد الركوع، فدل على أنه إنما أنكر القنوت قبل الركوع، أو يكون ابن عمر نسي، بدليل ما أخبرنا، وأسند عن ابن سيرين أن سعيد بن المسيب ذكر له قول ابن عمر في ‏"‏القنوت‏"‏، فقال‏:‏ أما إنه قد قنت مع أبيه، ولكنه نسي، قال‏:‏ وروى عنه أنه كان يقول‏:‏ كبرنا ونسينا، ائتوا سعيد بن المسيب فاسألوه، قالوا‏:‏ وعلى تقدير صحة هذه الأخبار، فهي محمولة على دعائه عليه السلام على أولئك القوم، ويبقى ما عداه من الثناء‏.‏ والدعاء، وهذا أوْلى، لأن فيه الجمع بين الأحاديث‏.‏ قال‏:‏ والدليل على أن المراد بالنهي عن القنوت في حديث أم سلمة، فإنه بدعة في حديث ابن عمر، القنوت قبل الركوع، لا الذي بعد الركوع، ما أخبرنا - وأسند من طريق الطبراني - حدثنا إسحاق الديري حدثنا عبد الرزاق عن أبي جعفر الرازي عن عاصم عن أنس، قال‏:‏ قنت رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ في الصبح بعد الركوع، يدعو على أحياء من العرب، وكان قنوته قبل ذلك، وبعده قبل الركوع، انتهى‏.‏ وقال‏:‏ إسناده متصل، ورواته ثقات، وأبو جعفر الرازي، قال فيه ابن المديني‏:‏ ثقة، وكذلك قال ابن معين، وقال أبو حاتم‏:‏ صدوق ثقة، وقال أحمد‏:‏ صالح الحديث، وأخرج حديثه في ‏"‏مسنده‏"‏، ثم أخرج من طريق أحمد بن حنبل حدثنا أبو معاوية حدثنا عاصم الأحول عن أنس، قال‏:‏ سألته عن القنوت، أَقبْل الركوع، أو بعده‏؟‏ فقال‏:‏ قبل الركوع، قال‏:‏ قلت‏:‏ فإنهم يزعمون أن رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ قنت بعد الركوع، فقال‏:‏ كذبوا، إنما قنت رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ شهرًا يدعو على أناس، قتلوا أناسًا من أصحابه، يقال لهم‏:‏ القراء، انتهى‏.‏ هكذا أخرجه البخاري ‏[‏في ‏"‏الوتر‏"‏ ص 136، ومسلم في‏:‏ ص 237‏.‏‏]‏، ومسلم‏.‏ وفي حديثهم‏:‏ إنما قنت رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ بعد الركوع شهرًا، ألا تراه فصل بين القنوت المنزول‏.‏ والقنوت الملزوم، ثم لم يطلق اللفظ حتى أكده بقوله‏:‏ بعد الركوع، فدل على مشروعية القنوت - بعد الانتهاء عن الدعاء - على الأعداء‏.‏

قال‏:‏ فإن قيل‏:‏ فقوله في الحديث‏:‏ ثم تركه، ليس فيه دلالة على النسخ، لأنه يجوز أن يكون تركه، وعاد إليه قلنا‏:‏ هذا مدفوع بما أخبرنا، وأسند من طريق أبي يعلى الموصلي بسنده عن ابن إسحاق عن عبد الرحمن بن الحارث عن عبد اللّه بن كعب عن عبد الرحمن بن أبي بكر، قال‏:‏ كان رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ إذا رفع رأسه من الركعة الأخيرة من صلاة الصبح بعد ما يقول‏:‏ سمع اللّه لمن حمده، يدعو للمؤمنين، ويلعن الكفار من قريش، فأنزل اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏ليس لك من الأمر شيء‏}‏ [آل عمران: 128]، فما عاد رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ يدعو على أحد بعد، انتهى‏.‏ وقال‏:‏ حديث غريب من هذا الوجه، ويؤكده ما أخرجه البخاري ‏[‏في ‏"‏تفسير آل عمران‏"‏ ص 655، واللفظ له، ولم أر هذا السياق لمسلم، واللّه أعلم‏]‏‏.‏ ومسلم عن سعيد‏.‏ وأبي سلمة عن أبي هريرة، قال‏:‏ كان رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ إذا أراد أن يدعو على أحد، أو لأحد، قنت بعد الركوع، وربما قال‏:‏ سمع اللّه لمن حمده، ربنا ولك الحمد، اللّهم أنج الوليد بن الوليد‏.‏ وسلمة بن هشام‏.‏ والمستضعفين من المؤمنين‏.‏ اللّه اشدد وطأتك على مضر، واجعلها عليهم سنين كسني يوسف، يجهر بذلك، حتى كان يقول ‏[‏في ‏"‏الصحيح‏"‏ وكان يقول، بدل‏:‏ حتى يقول‏.‏‏]‏ في بعض صلاة الفجر‏:‏ اللّهم العن فلانًا، وفلانًا، لأحياء من العرب، حتى أنزل اللّه تعالى ‏{‏ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم‏}‏ [آل عمران: 128] الآية، قال‏:‏ وأخرج أبو داود في ‏"‏المراسيل‏"‏ عن معاوية ابن صالح عن عبد القاهر عن خالد بن أبي عمران، قال‏:‏ بينما رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ يدعو على مضر، إذ جاءه جبرئيل عليه السلام، فأومأ إليه أن اسكن، فسكت، فقال‏:‏ ‏"‏يا محمد، إن اللّه لم يبعثك سبابًا ولا لعانًا، وإنما بعثك رحمة‏"‏ ‏{‏ليس لك من الأمر شيء‏}‏ [آل عمران: 128] الآية، ثم علمه القنوت‏:‏ اللّهم إنا نستعينك، ونستغفرك، ونؤمن بك، ونخضع لك، ونخلع، ونترك من يكفرك، اللّهم إياك نعبد، ولك نصلي، ونسجد، وإليك نسعى، ونحفِد، ونرجوا رحمتك، ونخاف عذابك، إن عذابك الجِد، بالكفار ملحق، انتهى‏.‏ ثم ساق من طريق الدارقطني ‏[‏هو في ‏"‏الدارقطني‏"‏ ص 178‏.‏‏]‏‏:‏ حدثنا أبو بكر النيسابوري حدثنا أحمد بن يوسف السلمي حدثنا عبيد اللّه بن موسى حدثنا أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أنس أن النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ قنت شهرًا يدعو عليهم، ثم ترك، وأما في الصبح، فلم يزل يقنت حتى فارق الدنيا، انتهى‏.‏

قال‏:‏ فهذه الأخبار كلها دالة على أن المتروك هو الدعاء على الكفار، واللّه أعلم، انتهى‏.‏ وقال ابن الجوزي في ‏"‏التحقيق‏"‏‏:‏ أحاديث الشافعية على أربعة أقسام‏:‏ منها ما هو مطلق، وأن رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ قنت، وهذا لا نزاع فيه، لأنه ثبت أنه قنت‏.‏ والثاني‏:‏ مقيد بأنه قنت في صلاة الصبح، فيحمله على فعله شهرًا بأدلتنا‏.‏ الثالث‏:‏ ما روى عن البراء بن عازب أن النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ كان يقنت في صلاة الصبح‏.‏ والمغرب، رواه مسلم ‏[‏في ‏"‏باب استحباب القنوت في جميع الصلوات‏"‏ ص 237، وأبو داود في ‏"‏باب القنوت في الصلوات‏"‏ ص 211، والنسائي في ‏"‏باب القنوت في صلاة المغرب‏"‏ ص 194 - ج 1، والترمذي في ‏"‏باب ما جاء في القنوت في الفجر‏"‏ ص 53، ‏"‏ومسند أحمد‏"‏ ص 285 - ج 4، و ص 280 - ج 4، والطحاوي‏:‏ ص 142‏]‏‏.‏ وأبو داود‏.‏ والترمذي‏.‏ والنسائي‏.‏ وأحمد، وقال أحمد‏:‏ لا يروى عن النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ أنه قنت في المغرب، إلا في هذا الحديث ‏[‏قلت‏:‏ في ‏"‏البخاري - في الوتر‏"‏ ص 136 من حديث أنس، قال‏:‏ كان القنوت في المغرب والفجر، اهـ‏.‏‏]‏‏.‏ والرابع‏:‏ ما هو صريح في حجتهم، نحو ما رواه عبد الرزاق في ‏"‏مصنفه‏"‏ أخبرنا أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أنس بن مالك، قال‏:‏ ما زال رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ يقنت في الفجر حتى فارق الدنيا، ومن طريق عبد الرزاق، رواه أحمد في ‏"‏مسنده ‏[‏ص 162 - ج 3‏]‏‏"‏، والدارقطني في ‏"‏سننه‏"‏، قال‏:‏ وقد أورد الخطيب في ‏"‏كتابه‏"‏ الذي صنفه في القنوت أحاديث، أظهر فيها تعصبه‏:‏ فمنها‏:‏ ما أخرجه عن دينار بن عبد اللّه، خادم أنس بن مالك، عن أنس، قال‏:‏ ما زال رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ يقنت في صلاة الصبح حتى مات، انتهى‏.‏ قال‏:‏ وسكوته عن القدح في هذا الحديث، واحتجاجه به، وقاحة عظيمة، وعصبية باردة، وقلة دين، لأنه يعلم أنه باطل، قال ابن حبان‏:‏ دينار يروي عن أنس آثارًا موضوعةٌ، لا يحل ذكرها في الكتب، إلا على سبيل القدح فيه، فواعجبًا للخطيب، أما سمع في الصحيح‏:‏ ‏"‏من حدث عني حديثًا، وهو يرى أنه كذب، فهو أحد الكاذبين‏"‏‏؟‏، وهل مثله إلا كمثل من أنفق نبهرجا ودلسه‏؟‏، فإن أكثر الناس لا يعرفون الصحيح من السقيم، وإنما يظهر ذلك للنقاد، فإذا أورد الحديث محدث، واحتج به حافظ لم يقع في النفوس إلا أنه صحيح، ولكن عصبية، ومن نظر في ‏"‏كتابه‏"‏ الذي صنفه في القنوت، و‏"‏كتابه‏"‏ الذي صنفه في الجهر، ومسألة الغيم، واحتجاجه بالأحاديث التي يعلم بطلانها، اطلع على فرط عصبيته، وقلة دينه، ثم ذكر له أحاديث أخرى، كلها عن أنس أن النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ لم يزل يقنت في الصبح حتى مات، وطعن في أسانيدها‏.‏

- حديث في الصلاة بعد الوتر‏:‏ أخرجه مسلم ‏[‏في ‏"‏صلاة الليل‏"‏ ص 256، واللفظ الآخر في‏:‏ ص 254، وأبو داود‏:‏ ص 196‏]‏ عن عائشة في حديث طويل، قالت كنا نُعدُّ له سواكه وطهوره، فيبعثه اللّه ما شاء أن يبعثه من الليل، فيتسوك ويتوضأ‏.‏ ويصلي تسع ركعات لا يجلس فيهن إلا في الثامنة، فيذكر اللّه ويمجده، ويدعوه، ثم يسلم تسليمًا يسمعنا، ثم يصلي ركعتين بعد ما يسلم، وهو قاعد، وفي لفظ‏:‏ كان يصلي ثمان ركعات، ثم يوتر، ثم يصلي ركعتين، وهو جالس، فإذا أراد أن يركع، قام فركع، قال النووي في ‏"‏الخلاصة‏"‏‏:‏ ورويت صلاة الركعتين بعد الوتر عن النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ من حديث أبي أمامة ‏[‏أخرج الطحاوي‏:‏ ص 202 من حديث عائشة‏.‏ وأنس‏.‏ وثوبان‏.‏ وأبي أمامة، والدارقطني‏:‏ ص 179 من حديث أنس، وأحمد‏:‏ ص 260 من حديث أبي أمامة، والدارمي‏:‏ ص 198، والدارقطني‏:‏ ص 177 من حديث ثوبان، ومن حديث أم سلمة‏.‏‏]‏‏.‏ وأنس‏.‏ وأم سلمة‏.‏ وثوبان، ومعظمها ضعيف، وحديث عائشة محمول على أنه عليه السلام فعله مرة، أو مرات، لبيان الجواز، فإن الروايات الصحيحة عن عائشة‏.‏ وخلائق من الصحابة، أن آخر صلاته في الليل، كان وترًا، مع حديث ابن عمر‏:‏ أن النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ، قال‏:‏ ‏"‏اجعلوا آخر صلاتكم الليل وترًا‏"‏ متفق عليه ‏[‏أخرجه البخاري في ‏"‏الوتر‏"‏ في‏:‏ ص 136، ومسلم في ‏"‏باب صلاة الليل‏"‏ ص 257‏]‏، واللّه أعلم‏.‏ انتهى كلامه‏.‏

 باب النوافل

- الحديث السابع بعد المائة‏:‏ قال رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ‏:‏

- ‏"‏من ثابر على ثنتي عشرة ركعة في اليوم والليلة، بنى اللّه له بيتًا في الجنة‏"‏ وفسرها المصنف، وقال‏:‏ إنها مفسرة في الحديث على نحو ما ذكر، وهي‏:‏ ركعتان قبل الفجر، وأربع قبل الظهر، وبعدها ركعتان، وأربع قبل العصر، وإن شاء ركعتين، وركعتان بعد المغرب، وأربع قبل العشاء وأربع بعدها‏.‏ وإن شاء ركعتين، ثم قال‏:‏ غير أنه لم يذكر الأربع قبل العصر في الحديث، فلهذا سماه في الأصل حسنًا، وخُيِّر لاختلاف الآثار، والأفضل هو الأربع، ولم يذكر الأربع قبل العشاء، ولهذا كان مستحبًا، لعدم المواظبة، وذكر فيه ركعتين بعد العشاء، وفي غيره ذكر الأربع، فلهذا خُيِّر، إلا أن الأربع أفضل، خصوصًا عند أبي حنيفة‏.‏

قلت‏:‏ روى الجماعة ‏[‏أخرجه مسلم في ‏"‏باب فضل السنن الراتبة قبل الفرائض‏"‏ ص 251، وأبو داود في ‏"‏باب تفريع أبواب التطوع، وركعات السنة‏"‏ ص 185، وابن ماجه في ‏"‏باب ما جاء في ثنتي عشرة ركعة من السنة‏"‏ ص 81، والترمذي في ‏"‏باب من صلى في يوم وليلة ثنتي عشرة ركعة من السنة‏"‏ ص 56، وكذا النسائي في ‏"‏آخر قيام الليل‏"‏ ص 256، وكذا الحاكم في‏:‏ ص 311 - ج 1‏.‏‏]‏ - إلا البخاري - من حديث أم حبيبة بنت أبي سفيان، أنها سمعت رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ، يقول‏:‏ ما من عبد مسلم يصلي للّه في كل يوم بثنتي عشرة ركعة تطوعًا من غير الفريضة، إلا بنى اللّه له بيتًا في الجنة، انتهى‏.‏ لمسلم‏.‏ وأبي داود‏.‏ وابن ماجه‏.‏ وزاد الترمذي، والنسائي‏:‏ أربعًا قبل الظهر، وركعتين بعدها، وركعتين بعد المغرب، وركعتين بعد العشاء‏.‏ وركعتين قبل صلاة الغداة، انتهى‏.‏ وللنسائي في رواية‏:‏ وركعتين قبل العصر، بدل‏:‏ وركعتين بعد العشاء، وكذلك عند ابن حبان في ‏"‏صحيحه‏"‏ في النوع الأول، من القسم الأول، رواه عن ابن خزيمة بسنده، وكذلك رواه الحاكم في ‏"‏المستدرك‏"‏‏.‏ وقال‏:‏ صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجه، انتهى‏.‏ وجمع الحاكم في لفظ بين الروايتين، فقال فيه‏:‏ وركعتين قبل العصر، وركعتين بعد العشاء، وكذلك عند الطبراني في ‏"‏معجمه‏"‏‏.‏

- حديث آخر‏:‏ أخرجه الترمذي ‏[‏تقدم ذكر المواضع منها في حديث أم حبيبة‏.‏‏]‏‏.‏ وابن ماجه عن المغيرة بن زياد عن عطاء عن عائشة، قالت‏:‏ قال رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ‏:‏ ‏"‏من ثابر على ثنتي عشرة ركعة، من السُّنة، بنى اللّه له بيتًا في الجنة‏:‏ أربع ركعات قبل الظهر‏.‏ وركعتين بعدها‏.‏ وركعتين بعد المغرب‏.‏ وركعتين بعد العشاء‏.‏ وركعتين قبل الفجر، انتهى‏.‏ قال الترمذي‏:‏ حديث غريب من هذا الوجه، ومغيرة بن زياد قد تكلم فيه بعض أهل العلم من قِبَل حفظه، انتهى‏.‏

- حديث آخر‏:‏ أخرجه ابن عدي في ‏"‏الكامل‏"‏ عن محمد بن سليمان الأصبهاني عن سهيل ابن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة ‏[‏وروى النسائي في ‏"‏أواخر الوتر‏"‏ ص 257 إلى قوله‏:‏ بيتًا في الجنة، وضعفه‏.‏‏]‏ عن النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ، قال‏:‏ ‏"‏من صلى في يوم اثنتي عشرة ركعة، بنى له بيت في الجنة‏:‏ ركعتين قبل الفجر‏.‏ وأربعًا قبل الظهر‏.‏ وركعتين بعد الظهر‏.‏ وركعتين قبل العصر‏.‏ وركعتين بعد المغرب‏.‏ وركعتين بعد العشاء‏"‏، انتهى‏.‏ وضعف محمد بن سليمان هذا، وقال‏:‏ إنه مضطرب الحديث، انتهى‏.‏ فصح قول المصنف‏:‏ إنه لم يذكر في الحديث الأربع قبل العصر، وقوله‏:‏ وخُيِّر لاختلاف الآثار ‏"‏يعني خُيِّر بين أن يصلي أربعًا، أو ركعتين‏"‏، لأن الآثار اختلفت في ذلك، فأخرج أبو داود ‏[‏في ‏"‏باب الصلاة قبل العصر‏"‏ ص 187، والترمذي في ‏"‏باب الأربع قبل العصر‏"‏ ص 58، وأحمد‏:‏ ص 117 - ج 2، والبيهقي‏:‏ ص 473 - ج 2‏]‏‏.‏ والترمذي عن أبي المثنى عن ابن عمر، قال‏:‏ قال رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ‏:‏ ‏"‏رحم اللّه امرءً صلى قبل العصر أربعًا‏"‏، انتهى‏.‏ قال الترمذي‏:‏ حديث حسن غريب‏.‏ ورواه أحمد في ‏"‏مسنده‏"‏‏.‏ وابن خزيمة، ثم ابن حبان في ‏"‏صحيحهما‏"‏، قال ابن حبان‏:‏ والمراد أنها بتسليمتين، لما جاء في خبر يعلى بن عطاء عن علي بن عبد اللّه الأزدي عن ابن عمر، قال‏:‏ قال رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ‏:‏ ‏"‏صلاة الليل والنهار مثنى مثنى‏"‏، انتهى كلامه‏.‏ وقد تقدم للنسائي‏.‏ وابن حبان‏.‏ والحاكم في حديث أم حبيبة‏:‏ وركعتين قبل العصر، وأخرج أبو داود عن عاصم بن ضمرة عن علي أن النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ كان يصلي قبل العصر ركعتين، انتهى‏.‏ ورواه الترمذي ‏[‏في ‏"‏باب كيف كان النبي صلى اللّه عليه وسلم يتطوع بالنهار‏"‏ ص 77، وأحمد في ‏"‏مسنده‏"‏ ص 85 - ج 1، والدارقطني‏:‏ ص 194، والنسائي قبيل ‏"‏كتاب الافتتاح‏"‏ ص 140‏.‏‏]‏‏.‏ وأحمد، وقالا‏:‏ أربعًا، عوض‏:‏ ركعتين، وقال الترمذي‏:‏ حديث حسن، واختار إسحاق بن إبراهيم أن لا يفصل في الأربع قبل العصر، واحتج بهذا الحديث، وقال ‏"‏يعني قوله‏:‏ يفصل التسليم على الملائكة‏"‏‏:‏ يعني التشهد ‏[‏أخرج الدارقطني في ‏"‏السنن‏"‏ ص 140 حديث أبي سعيد، وفي آخره‏:‏ وفي كل ركعتين، فسلم، ثم قال‏:‏ قال‏:‏ أبو حنيفة ‏"‏يعني التشهد‏"‏‏]‏، انتهى كلامه‏.‏ وهذا يرد قول ابن حبان، إنها بتسليمتين، وأعاده الترمذي في ‏"‏آخر الصلاة - في باب تطوع النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ بالنهار‏"‏، وزاد فيها‏:‏ يفصل بين كل ركعتين بالتسليم على الملائكة المقربين، والنبيين، والمرسلين، ومن تبعهم من المؤمنين، والمسلمين، انتهى‏.‏ وقال‏:‏ حديث حسن، وروى عن ابن المبارك أنه ضعف هذا الحديث، وإنما ضعفه - واللّه أعلم - من أجل عاصم بن ضمرة، وعاصم بن ضمرة ثقة عند بعض أهل الحديث، قال علي بن المديني‏:‏ قال يحيى بن سعيد القطان‏:‏ قال سفيان‏:‏ كنا نعرف فضل حديث عاصم بن ضمرة على حديث الحارث، انتهى كلامه‏.‏ وفي عاصم مقال، وصح قوله أيضًا‏:‏ وذكر فيه ركعتين بعد العشاء، وقوله‏:‏ وفي غيره ذكر الأربع، عزى إلى سنن سعيد بن منصور، من حديث البراء بن عازب، قال‏:‏ قال رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ‏:‏ ‏"‏من صلى قبل الظهر أربعًا، كان كأنما تهجد من ليلته، ومن صلاهن بعد العشاء، كان كمثلهن من ليلة القدر، وأخرج النسائي ‏[‏أخرجه البيهقي في ‏"‏السنن‏"‏ ص 477 - ج 2، والنسائي في ‏"‏باب القدر الذي إذا سرقه السارق قطع يده‏"‏ ص 259 - ج 2، وكذا الدارقطني‏:‏ ص 365‏.‏‏]‏‏.‏ والدارقطني من قول كعب‏.‏ وروى إسحاق بن راهويه في ‏"‏مسنده ‏[‏قلت‏:‏ وروى أحمد‏:‏ ص 125، و ص 144، عن وكيع عن سفيان، وروى أبو داود في ‏"‏التطوع - في باب من رخص فيهما إذا كانت الشمس مرتفعة‏"‏ ص 188 - ج 1، والشافعي في ‏"‏كتاب الأم‏"‏ ص 154 - ج 7، والطحاوي‏:‏ ص 179، والبيهقي‏:‏ ص 459 - ج 2، كلهم من طريق سفيان هكذا، وروى أحمد من طريق مطرف عن أبي إسحاق في‏:‏ ص 143، و ص 144، ولم يذكر الاستثناء‏.‏

قلت‏:‏ وروى الطحاوي في‏:‏ ص 179 من حديث عائشة بمعنى حديث علي، وأحمد‏:‏ ص 51 - ج 4 من حديث سلمة ابن الأكوع، قال‏:‏ كنت أسافر مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فما رأيته صلى بعد العصر ولا بعد الصبح قط، اهـ‏]‏‏"‏ أخبرنا وكيع عن سفيان عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي، قال‏:‏ كان رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ يصلي على أثر كل صلاة ركعتين، إلا الفجر‏.‏ والعصر، انتهى‏.‏ ورواه الدارقطني في ‏"‏كتاب العلل‏"‏ من حديث أبي إسحاق عن الحارث عن علي، فذكره‏.‏

- أحاديث النافلة قبل المغرب‏:‏ لأصحابنا في تركها أحاديث‏:‏ منها ما أخرجه أبو داود ‏[‏في ‏"‏التطوع - في باب الصلاة قبل المغرب‏"‏ ص 189‏.‏‏]‏ عن طاوس، قال‏:‏ سئل ابن عمر عن الركعتين قبل المغرب، فقال‏:‏ ما رأيت أحدًا على عهد رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ يصليها، ورخص في الركعتين بعد العصر، انتهى‏.‏ سكت عنه أبو داود، ثم المنذري في ‏"‏مختصره‏"‏ فهو صحيح عندهما، قال النووي في ‏"‏الخلاصة‏"‏‏:‏ إسناده حسن، قال‏:‏ وأجاب العلماء عنه، بأنه نفي، فتقدم رواية المثبت، ولكونها أصح، وأكثر رواة، ولما معهم من علم ما لم يعلمه ابن عمر، انتهى‏.‏

- حديث آخر‏:‏ أخرجه الدارقطني ‏[‏ص 98‏.‏‏]‏، ثم البيهقي في ‏"‏سننهما‏"‏ عن حيان بن عبيد اللّه العدوي حدثنا عبد اللّه بن بريدة عن أبيه، قال‏:‏ قال رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ‏:‏ ‏"‏إن عند كل أذانين ركعتين، ما خلا المغرب‏"‏، انتهى‏.‏ ورواه البزار في ‏"‏مسنده‏"‏، وقال‏:‏ لا نعلم رواه عن ابن بريدة، إلا حيان بن عبيد اللّه، وهو رجل مشهور من أهل البصرة، لا بأس به، انتهى كلامه‏.‏ وقال البيهقي في ‏"‏المعرفة‏"‏‏:‏ أخطأ فيه حيان بن عبيد اللّه، في الإِسناد‏.‏ والمتن جميعًا، أما السند‏:‏ فأخرجاه ‏[‏أما البخاري ففي ‏"‏باب كم بين الأذان والاقامة‏"‏ ص 87، وأما مسلم ففي ‏"‏فضائل القرآن - في باب استحباب الركعتين قبل صلاة المغرب‏"‏ ص 278‏.‏‏]‏ في ‏"‏الصحيحين‏"‏ عن سعيد الجريري‏.‏ وكهمس عن عبد اللّه بن بريدة عن عبيد اللّه بن مغفل عن النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ، قال‏:‏ ‏"‏بين كل أذانين صلاة، قال في الثالثة ‏"‏لمن شاء‏"‏‏.‏ وأما المتن‏:‏ فكيف يكون صحيحًا، وفي رواية ابن المبارك عن كهمس في هذا الحديث، قال‏:‏ وكان ابن بريدة يصلي قبل المغرب ركعتين، وفي رواية حسين المعلم ‏[‏عند البخاري في ‏"‏التهجد - في باب الصلاة قبل المغرب‏"‏ ص 157‏.‏‏]‏ عن عبد اللّه بن بريدة عن عبد اللّه بن مغفل، قال‏:‏ قال رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ‏:‏ ‏"‏صلوا قبل المغرب ركعتين‏"‏، وقال في الثالثة‏:‏ ‏"‏لمن شاء، خشية أن يتخذها الناس سنة‏"‏، رواه البخاري في ‏"‏صحيحه‏"‏، انتهى‏.‏ وذكر ابن الجوزي هذا الحديث في ‏"‏الموضوعات‏"‏، ونقل عن الفلاس أنه قال‏:‏ كان حيان هذا كذابًا، انتهى‏.‏

- حديث آخر‏:‏ رواه الطبراني في ‏"‏كتاب مسند الشاميين‏"‏ حدثنا يحيى بن صاعد حدثنا محمد ابن منصور المكي حدثنا يحيى بن أبي الحجاج حدثنا عيسى بن سنان عن رجاء بن حيوة عن جابر، قال‏:‏ سألنا نساء رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ، هل رأيتن رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ يصلي الركعتين قبل المغرب‏؟‏ فقلن‏:‏ لا، غير أن أم سلمة، قالت‏:‏ صلاهما عندي مرة، فسألته ما هذه الصلاة‏؟‏ فقال‏:‏ نسيت الركعتين قبل العصر، فصليتهما الآن، انتهى‏.‏

- حديث آخر، معضل‏:‏ رواه محمد بن الحسن في ‏"‏الآثار‏"‏ أخبرنا أبو حنيفة حدثنا حماد بن أبي سليمان أنه سأل إبراهيم النخعي عن الصلاة قبل المغرب، قال‏:‏ فنهاه عنها، وقال‏:‏ إن رسول اللّه ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ‏.‏ وأبا بكر‏.‏ وعمر، لم يكونوا يصلونها، انتهى‏.‏